عن الحداد المقدس
أكتب بسذاجة، أي بلغة مستقيمة؛ نعم من الواجب أن نكتب بسذاجة عما يحدث؛ قال ادورنو بعد المج-زرة؛ يجب على الشعر أن يتوقف.
على الادب والبلاغة وسحر البيان والألاعيب اللغوية أن تتوقف وتحترم الأهوال. الكتابة شكل من أشكال المقاومة المهمة؛ لكن لا يمكن لهذا المقاومة أن تتضمنها نوازع شخصية، مثل من يكتب قصيدة رائعة عن حدث كارثي.
بين التعبير الإبداعي عن الغضب وبين الذهاب الى الحداد مسافة أخلاقية؛ الحداد هو ان تقف مذهولا أمام ما يحدث، إذ يجب أن تتعطل اللغة وجمالياتها ويبقى الكلام الذي يخدم الحقائق فقط. هل يكفي ان نقول أنَ ما يجري جريمة إبادة أو جريمة ضد الإنسانية؟ جرائم حرب؟ أو نكتب قصائد نحصد من خلالها على الإعجابات فوق جثث الشهداء؟ ليس لدينا في قاموسنا حتى اللحظة ما يستطيع وصف أحداث فناء شعب كامل، من قطع الماء والكهرباء والغذاء وإنزال الموت من البر والبحر والسماء.
هنا الانسان ينكمش الى داخل نفسه لأنه في عجز تام عن فهم الواقع؛ اللغة حدود عالمي كما يقول فيتغنشتاين. إنَ ما يجري خارج حدود الخيال وخارج حدود اللغة. في مثل هذه المواقف أهرب إلى حدادي الشخصي وأطرح تساؤلات عن الإنسان و قيمة الغرب و الشعارات.
لا أحد يريد ان يقول أنا مع فلسطين فحسب، هذه قضية واضحة ومحسومة ولا تحتاج إلى الفن، بل إلى الحداد المقدس. كروائية انا الآن تحت الركام افتش عن الانسان، عن معاناته وعن ما تبقى من إنسانيته.
في لحظات من هذا النوع ليس لدي سوى الحداد المشوب بالهزيمة، شجاعة أن تنتصر للقضية بلغة ساذجة ومستقيمة وخالية من البلاغة، إذ إن أي محاولة إبداعية لوصف البشاعة هي بمثابة الإحتفاء بالجثث.
إنها الظفر الشخصي بالحرب؛ إنها فن التجارة بالمصائب.